کد مطلب:306518 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:246

غبطة الاب بشرب دم ابنته


و لا یعزب عن خاطك سیدتی ذلك الرجل المسافر الذی لم یحضر وضع ولیده، لكنه جعل الزوجة محله عند النحر، اذا كان ذكراً و بالذبح للانثی فتدخر له من دمها المهدور.

... و فی لیل ادهم صرخت الطفلة ذات الحظ المشؤوم، صرخة الحیاة، رفعتها الام ثم قربتها من صدرها المضطرب لتلقمها ثدیها.

كانت فزعة قلقة، و فؤادها یحدثها عما سیؤول الیه مصیر هذه الطفلة الجمیلة، فسریعاً ما سیعود الزوج؛ فیسارع لیطعن بخنجره المسموم صغیرتها.

فبادرت بنفسها تذبح حیواناً و تدخر دمه.

ثم اودعت طفلتها الحلوة عند قریبة لها تعنی بشؤونها.

... رجع الزوج من سفره الطویل.. دخل فناء الدار مشدوهاً زائغ العینین، مضطرباً، یدیر برأسه كالذی یبحث عن شی ء اضاعه.


... ثم یمد ببصره نحو مهد المولود فیصرخ زاعقاً:

این البشارة یا امرأة، عند ذلك تحضر له الزوجة قارورة الدم الكاذب و تقدمها له دنهن ان تنبس ببنت شفة.

... و مضت الایام، ثم الاشهر، ثم السنون، و قد تعود الرجل ان یری صبیة جمیلة تلعب فی فناء داره، كبنت قریبة لهم، تقضی معظم اوقاتها بین حجر الرجل و امرأته... و دون ان یعلم هو من انها ابنته.

.. فأرتبط قلباهما بحب شدید، انها عاطفة جیاشة، عاطفة الاب و ابنته.

... بلی حب یتدفق كل لحظة، و یعقد روحیهما، فتنبع حیاة الرجل بالحیویة بدل الفراغ و السأم و الملل، الذی ینتاب حیاته الرتیبة.

.. فهو الآن لا یستطیع فراقها... انه یستأنس بها، بین المزاح واللعب، و بین بسمة و ضحكة برئیة من طفلة رائعة.

كانت الام تشهد عن كثب هذه الصور التی تقرح فؤادها... فما استطاعت كتم سرها الخطیر و یالها من بلهاء غبیة فسبقها لسانها العجول و هو یطلق نبراته التی ملئتها الفرحة:

- اَهی جمیلة؟! فیجیبها الزوج مستغرباً:

- أو یوجد احلی من هذا الوجه.

ابتسمت الام ابتسامة جذلی، و تنكرت بحسرة قائلة:

- آه یا لیتها كانت ابنتنا فتكون لنا قرة عین.

.. نظر الرجل نحو امرأته نظرة غریبة تنم عن مكر و خداع مطویتین فی نفسه و هو یقول:

- یا لیتها كانت ابنتی فهی محبوبة حلوة المعانی والعِشرة.

خُدعت الام شر خدعة بكلماته المعسولة هذه، والملیئة بسم قاتل من المكر،

.. جرها الكلام فی ان تطلعه علی حقیقة الامر، فأنطلقت نبرات لسانها بتهدج.


- انها... انها ابنتك یا زوجی العزیز.

.. فتربد وجهه.. و تقبضت شفتاه.. و امتقع لونه.. ثم امتزجت معانیه بنظرة شزراء تفیض احتقاراً لزوجته، والتمعت عیناه قدر اصفرار وجهه.

ثم سرح ینظر الی زوجته نظرة عتاب مازجتها احاسیس من الحقد والخیبة.

فالتفت الی طفلته یغمرها بشظایا شرار عینیه... و یخاطب نفسه بالكمد والعار والشنار، والفضیحة... انها ستحبس نبض حیاته، فتردها ذلیلة حقیرة.

فندت عن الاُم صرخة ألم تنضح من جوفها، و هی تری الاب یخطف ابنتها البرئیة.. و هو ینتهد بالحسرات.. ففر بها یسابق الریح..

.. مالت السماء نحو الغروب، و توارت الشمس خلف الاُفق، و وقف الاب بجنب ابنته التی اخذت ریح الصحراء تلاعب اثوابها الجمیلة.. و حقاً لهی وقفة وداع.

حینما وقف بینهما الحب و الیأس، شبحین هائلین، هذا باسط جناحیه فوق رأسیهما،و ذلك قابض بأظافره علی عنقیهما.. هذا یبكی مرتاعاً و ذلك یضحك ساخراً. فأستجاب الاب للثانی.

.. فدب یحفر بیده قبراً صغیراً. حسبته لعبة لها فشاركته بذلك المصیر. لیرمی حلوته المحبوبة فیه وسط حشرات الصحراء، لتمتص دمائها.

.. حثی التراب علیها و علی ذكریاتها.. و یحمل هو فی طیات روحه نظراتها الودیعة و ابتسامتها الساحرة.

فاستبشعت السماء ذلك الفعل الشنیع علی هذه المؤودة التی وأدها الاب لا لذنب ارتكبته غیر ان التقالید العمیاء عمت قلبه قبل بصره... و لذك تكون هذه البنت شاهداً یوم القیامة علی هذه العقول المتحجرة و علی افعالهم المتخلفة (و اذا المؤودة سئلت بای ذنب قتلت) [1] .



[1] سورة التكوير 8- 9.